جروح تحت عـدسة المجهر
لقد سبر العلم الحديث أغوار فسيولوجية تَعَرُّض جلد الإنسان للجروح، وساعد على ذلك اختراع عدسة المجهــر التي أماطـت اللثام عن عالم واسع خفي، كان قبل ذلك في عالم المجهول، فإذا بالحقيقة تنجلي شيئاً فشيئاً.
وقبل أن نخوض في حديثنا حول إصابة أجسامنا بالجروح، وما يحدث في هذا النوع من الإصابات من أحداث مدهشة، تجري دون أدنى درجة إحساس منا أو شعور، يجدر بنا أن نسلِّط بعض الأضواء على بنية الجلد، وهو المسرح الذي على خشبته تُعْرض مشاهد عملية التئام الجروح، ويُعين ذلك على فهم ما سيظهر لنا لاحقاً من أحداث فسيولوجية متتابعة، تعقب تَعَرُّض الجلد للجروح المختلفة.
يتكوَّن جلد الإنسان من طبقتين تشريحيتين، تُعْرف الظاهرة منهما بالبشرة Epidermis، والأخرى بالأدمة Dermis. وتتفرَّع البشرة إلى خمس طبقات مجهرية تتوزع خلالها الخلايا في نسق دقيق. أما الأدمة فتقع تحت البشرة، وتنقسم إلى طبقتين مجهريتين، وتحوي هذه الطبقة بصيلات الشعر، والغدد العرقية والدهنية، وهي غنية بشبكة من الأوعية الدموية.
وللجروح أنواع عديدة:
للجروح التي تصيب جلد الإنسان أشكال وصور متعدِّدة، ويمكننا تقسيم هذه الجروح عموماً إلى ما يعرف بالجروح المغلقة، والجروح المفتوحة، وذلك بناءً على طبيعة الإصابة، وما لحق بسطح الجلد من أذى.
وفي الجروح المغلقة Closed wounds نرى أن سطح الجلد سليم، إذ لم يلحق الأذى بنسيج الجلد الخارجي الذي يظهر للعيان، بل تتجه الإصابة ـ هنا ـ نحو الأنسجة السفلى التي تلي سطح الجلد نحو الداخل. ومن أمثلة هذا النوع من الجروح: الكدمة contusion، التي تنتج عن تعرض الجسم لإصابة مباشرة، تترك سطح الجلد سليماً دون أذى، إلا أنه ينتج عنها خروج سائل الدم من الأوعية الدموية التي تتمزق جرَّاء هذه الإصابة، مما يؤدي إلى تضخم المنطقة المصابة، وتلونها باللون الأزرق أو الأخضرأحياناً.
وقد يحـدث أحيانـاً أن يتمزق وعــاء دموي كبير الحجم، مما يعني تراكم الدم ضمن الأنسجة تحت الجلد السليم الذي لم يُصَب بأذى، وتعرف هذه الحالة علمياً بالتجمع الدموي Hematoma.
وثمة في المقابل جروح مفتوحة Open wounds يصاب خلالها سطح الجلد بصور متباينة، ويعتمد ذلك على شدة الإصابة وطبيعة المصدر الذي ألحق الأذى بسطح الجلد ومدى قوته، ومن أمثلة الجروح المفتوحة: السحجة Abrasion، وهي إصابة ناتجة عن احتكاك الجلد بسطح خشن، وتؤدي إلى إصابة طبقات الجلد السطحية، وتآكلها وانفصالها عن الطبقات التي تحتها. وتسبب هذه الجروح ألماً شديداً، إذ تنكشف فيها نهايات الأعصاب مما يجعلها عرضة للهواء أو المؤثرات الخارجية المحيطة بالجرح، وكثيراً ما يشاهد هذا النوع من الجروح في حوادث السير التي يحدث فيها احتكاك الجلد المباشر مع سطح الإسفلت، أو عقب السقوط فوق سطح خشن الملمس.
وهناك جروح مفتوحة أخرى تحدث عقب التعرض لأجسام حادة كالزجاج وسكين المطبخ والمقص مثلاً، ويتميز الجرح هنا بأن حوافه منتظمة الشكل، وهي جروح سطحية في الغالب، وتتصاحب مع حدوث النزيف، وقد يصحبها إصابة الأعصاب السطحية في مسرح الجرح.
ومن الجروح المفتوحة أيضاً ما نراه في حوادث السير، أو عقب سقوط الجسم من سطح عالٍ، مما ينتج عنه الإصابة بجرح أعمق من سابقه، وذو حواف غير منتظمة الشكل. ونسبة احتمال حدوث الالتهاب في هذه الجروح مرتفعة، وكثيراً ما تتصاحب مع ضعف التروية الدموية للنسيج المصاب.
وقد يخترق جسم حاد سطح الجلد، كالسكين، أو إبرة الخياطة، أو المسامير مثلاً، وهذا النوع من الجروح المفتوحة ذو شكل خادع، إذ إنّ مدخله الخارجي صغير، إلا أنه قد يخبئ تحته إصابة عميقة بالغة، وكثيراً ما تخدع فوهة الجرح الخارجية طبيب الطوارئ – ولا سيما إن افتقد الخبرة الكافية – الذي قد يسارع إلى خياطة الجلد مباشرة دون فحص ما قد أصيب من أنسجة داخلية.
وعضة الحيوانات أيضاً سبب آخر في إحداث الجروح المفتوحة، وينتج عنها في الغالب ظهور جرح ذي حواف غير منتظمة، وكثيراً ما يصحب هذه الجروح حدوث الالتهاب، ولا سيما إن لم تعالج بالشكل المناسب.
المصدر: القافلة.